الفصام: مايحدث في المشهد التشكيلي اختلاف وليس خلافاً

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017م

صحيفة الحياة: الرياض - فطين عبيد
لا يرى الفنان التشكيلي إبراهيم الفصام ما يحدث في المشهد التشكيلي السعودي خلافاً، ويفضل أن يعده اختلافاً في وجهات نظر تكمن وراءها خلفية الفنانين الثقافية وخبراتهم، وخصوصاً الإدارية، اختلافات، كما يوضح، حول الإمكانات والصلاحيات، وإعادة النظر في بعض اللوائح التنظيمية للجمعيات المعنية بالفنون. وقال الفصام في حوار مع «الحياة» إن التاريخ لن يحفظ للفنان سوى ما قدمه من عمل. ويتهم الفصام الإعلام بالتقصير في مواكبة الحركة التشكيلية، لافتاً إلى موقف حصل معه وأن زامر الحي لا يطرب. وتطرق الفصام، الذي شارك في أكثر من 70 معرضاً تشكيلياً في الداخل والخارج، إلى الفجوة بين المثقفين والتشكيليين، ويعتقد أن لها مسببات، إلا أنه يشير إلى أن هذه الفجوة بدأت تنحسر، إلى نص الحوار:

> كيف تنطلق الريشة من يدك، بمعنى ما المحرض على الرسم لديك؟
- هناك دافع لا شعوري، مجرد آخذ القلم وأقوم أعمل تخطيطات وأشكال أنسجم معها، وأكون منها عملاً فنياً اختزله في ذاكرتي أو احتفظ بهذه الاسكتشات، ثم أقوم بتنفيذها على لوحة بما يناسبها من خامة، وأثناء التنفيذ تتفتح أمامي دروب كثيرة في العمل الفني الذي أقوم بتنفيذه، وكذلك أثناء تفكيري فيه، وهكذا.
> الألوان ليست مجرد خامات، إنها أدوات ابتكار وخلق، إلى أي حد تمثل هذه الخامات عوناً لك على التعبير واقتراح ممكنات لونية وجمالية تميزك عن سواك؟
- اللون بحد ذاته يعطي دلالة وله قواعد في استخدامه والتعبير به، فلا يمكن أن تقدم عملاً جميع ألوانه داكنة ومتقاربة في الدرجة لذا لا يمكن فهمه والانسجام معه. فمن أهم عوامل العمل الفني الجمال، فإذا فقد هذه الخاصية سواء بسبب ألوان أو غيرها فأعتقد بأنه لا يوصل الفكرة المطلوبة للمتلقي.
> كفنان ومثقف كيف تجد الحركة التشكيلية في السعودية الآن، وهل وصلت التشكيلية السعودية إلى المكانة التي تليق بها؟
- الحركة التشكيلية السعودية في تقدم مستمر ولا أعتقد أن لها سقفاً بل ستسمر في التقدم أسوة ببقية الحركات الثقافية الأخرى، والأمور إن شاء الله تبشر بالخير في هذا المجال وغيره، وأنا على ثقة بأن المسؤولين عن هذه الأمور سيعالجون السلبيات وتدعيم الإيجابيات في ما يصب في مصلحة الوطن.
> كيف ترى المواكبة الإعلامية للفعاليات الثقافية؟
- التغطية الإعلامية للفعالية الثقافية قاصرة، وهذا حدث معي في معرضي الشخصي الرابع، مجرد نشر خبر المعرض، حيث يعد، بإشادة غالبية الزوار، معرضاً مميزاً من جميع النواحي وخصوصاً الطرح الجديد. والغريب! أن غالبية الوسائل الإعلامية اهتمت بأحد الفنانين الأوروبيين قدم عملاً مفاهيمياً، إذ جلس على بيض في صالة عرض. الوسائل الإعلامية نشرت صورته وزيادة على ذلك بعد ما فقس بعض البيض أعيد الخبر كمتابعة! وأحد محرري إحدى الصحف سبق أن كتب مقالة بأن زامر الحي لا يطرب وللأسف حاول يطرب، ولكن!
> ما رأيك في ما يحدث أحياناً بين التشكيليين السعوديين من خلافات في إطار الجمعية؟
- المجتمع التشكيلي وهو المعني في هذا السؤال لا يوجد به خلافات بمعناها الصحيح، بل هناك اختلاف في وجهات نظر فقط، ناتجة عما لدى الفنان من خلفية ثقافية وخبرات وخصوصاً الإدارية، وغالبية اجتماعاتهم تكون في مناسبة ثقافية كمعرض فنون تشكيلية أو ندوة، ولكن بصفة عامة الاختلافات حول توفير الإمكانات والصلاحيات، وخصوصاً إعادة النظر في بعض اللوائح التنظيمية لهذه الجمعيات، والبعد عن الحساسيات الشخصية، فالتاريخ لن يحفظ لك إلا ما قدمت من عمل، وهذه كفيلة بالقضاء على كثير من السلبيات، بمعنى الأمور ليس فيها ألغاز، مجرد أنها بحاجة إلى قرار من صاحبه وتفعيله.
> تكاد الثقافة البصرية تكون غائبة حتى لدى غالبية المثقفين، ألا يحرم ذلك التشكيلي من فضاء يمكن لأعماله أن تزدهر فيه؟
- من الصعب التعميم على غالبية المثقفين، ولكن هناك مسببات لوجود فجوة بين التشكيلين وما يقدمون من أعمال وكذلك المعنيين، وهذه الفجوة بدأت بالانحسار عن طريق دعوتهم إلى حضور المعارض، وبالمناسبة شرفني في معرضي الشخصي في مركز الملك فهد الثقافي «تجربتي» حضور كثير منهم لزيارة المعرض والنقاش حول اللوحات ومضامينها وسجلوا انطباعاتهم مشكورين في سجل الزوار، لكن الغريب عدم حضور بعض الفنانين التشكيليين، وخصوصاً المعروفين بعدم تفويت زيارة المعارض التشكيلية! علماً بأن المعرض يحتوي على تجربة جديدة في الفن التشكيلي السعودي تعتمد على العمق الحضاري والبعد الثقافي لهذا البلد، مستلهماً من آثار الجزيرة العربية ومقدم بشكل تصاعدي من عام 2001 حتى عام 2017 وتم تمديده وذلك لما لقي من إقبال جماهيري ولله الحمد، ويمكن زيارة موقعي الإلكتروني (www.alfassam.com) للاطلاع أكثر.
> كيف تقارب تشكيلياً مواضيعك وهل تختارها أنت، أم هي تمارس ضغط عليك حتى تنجزها؟
- العمل الفني مبني على فكرة لدى الفنان وهي مبنية على دافع يمارس الضغط عليه حتى ينجزها بالخامة التي يرى أنها تناسب العمل، وأحياناً يقوم بعمل سكيتش للفكرة والاحتفاظ بها وتنفيذها لاحقاً.
> بالنسبة للخامة، هل تنفذ سؤال دائماً بالنسبة لك كتشكيلي مهموم بتطوير تجربته؟
- الخامات التي تنفذ بها أعمالك على اختلاف أنواعها تحتاج إلى ألممارسة والتجربة لمعرفة أسرارها، وليس من الصحيح بعد أن تتمكن منها بأن تنطلق إلى تجربة خامة أخرى بعد ما تصل إلى مرحلة الإتقان!
> دائماً ترسم الآثار والتاريخ، هل تحاول استحضار الماضي للجيل الجديد؟
- من خلال التصاقي بالمجال الفني التشكيلي كنت ألاحظ على كثير من الفنانين التشكيليين وأنا واحد منهم الاستلهام من الزخارف الشعبية الموجودة على المنازل وبيوت الشعر والأبواب وغيرها، إذ كانت هي العمق أو الحد الأقصى للعناصر الموجودة في عمله، منها بدأت أبحث عما هو أعمق من الزخارف الشعبية ووجدت ذلك في الآثار ذات العمق الحضاري والبعد الثقافي للجزيرة للعربية، فبدأت ذلك بمشاركة في بينالي تايبيه عام ٢٠٠١ بلوحة (٥٠ x ٧٠ سم) مستوحاة من آثار الجزيرة العربية، وشاركت بها وصنفت من أفضل المشاركات في هذا المعرض، إذ كانت المشاركات من جميع أنحاء العالم وأضيفت في كتاب وزودت بنسخة منه، منها انطلقت لكي أكمل هذا المشروع الفني، وهو إيجاد ما هو أعمق من الزخارف الشعبية لكي يستلهم منه الفنان أعماله ويتذوقه جميع شرائح المجتمع، وألا تكون هذه التحف الأثرية حبيسة المتاحف وإبراز القيمة الجمالية الممكنة فيها بطريقة حديثة. قدمت هذه التجربة بمشاركات عدة فردية متنوعة جميعها تدل على عدم وجود هذه التجربة في الفن التشكيلي السعودي، كما أقمت معرضاً لها في الكويت جميع لوحاته مستلهمة من آثار الكويت وبان من خلاله التميز في هذا الطرح، بعد ذلك قدمت تجربتي في معرضي الشخصي الرابع بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض عام 18-1-2017، وهو عبارة عن خلاصة لأعمالي من تاريخ ٢٠٠١ حتى ٢٠١٧ بالتسلسل، لقي إعجاب الجمهور، ويمكن زيارتي موقعي على الشبكة العنكبوتية والاطلاع على المعرض.
> اللحظة الراهنة تفرض على الرسام أن يكون أكثر من رسام، أن يتعاطى مع قضايا المجتمع كما لو كنت ناشطاً كيف ترى هذا الأمر؟
- هناك فرق بين الرسام والفنان، الرسام لا ينقل لك الشيء كما هو بالضبط فكاميرا التصوير أصبحت تقوم بهذا الشيء، أما الفنان فهو يقدم العمل بمشاركة بين يديه وعقله وقلبه (إحساسه)، لذلك تكون قضايا مجتمعه دافعاً لإبداعه لتقديمها في أعمال تشكيلية مرتبطة بالواقع الذي يعيشه ومتفاعل معه، ولي أعمال عدة بهذا الخصوص بعض منها في موقعي.
> يوجد حالياً ما يشبه السجال حول الفن المفاهيمي أو فنون ما بعد الحداثة، كيف ترى هذا السجال؟
- بطبيعة الحال أي شيء جديد هناك من يؤيد وهناك من يعارض، لكن الفن المفاهيمي يبقى كأحد الفنون الذي يعتمد في الدرجة الأولى على توصيل فكرة معينة للمتلقي بطريقة مختلفة عن التقليدية، لكن في اعتقادي بأن أماكن العرض لدينا في السعودية هي من أهم أسباب عوائقه وكذلك بعد عرضه، فمثلاً في الدول الأوروبية يستثمر العمل بنقله لأحد المواقع مباشرة إما صالة فندق أو سوق أو غير ذلك، المهم تفعيل هدفه وإتاحة أكبر عدد من الجمهور للاطلاع عليه.
> هل الفنان السعودي لديه مظلة تنسيق وتدعم مسيرته؟
- بطبيعة الحالة لديه الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام، والجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت)، وجمعية الثقافة والفنون، لكنها مبنية على قدر إمكانياتها المتاحة لها، لذلك يلجأ بعض الفنانين للاعتماد على جهودهم الشخصية، ولكن الأمور تبشر بالخير.