التشكيلي إبراهيم الفصام مستلهماً التراث

الخميس، 4 مايو 2017م

عبدالرحمن السليمان:
تتجه اهتمامات الفنان السعودي إبراهيم الفصام الأخيرة الى الاستفادة من الآثار المتعاقبة على الجزيرة العربية، بخاصة في ما يتعلق بالرموز والأشكال التي نقشت على الصخور والمباني المنحوتة على الجبال أو في الكهوف، أو ربما الخطوط القديمة التي كانت تحمل بعض الدلالات المباشرة. تعيدنا أعمال الفصام الى العلاقة بالكهف في رسوم الإنسان الأولى والى مواقع كان يستشعر فيها الإنسان حاجة الى مخاطبة الآخر أو التعبير عن موقف منه. هكذا تخضع اختياراته الى شيء من المباشرة التي تبني علاقات الأشكال أو الرموز بعيداً عن المعنى، بحيث تُفصح عن جانب جمالي تنبني علاقاته بعناصر مختلفة ومتنوعة، وأحياناً متباعدة الأزمان.
نستعيد في أعمال الفنان مدائن صالح وحفريات الفاو والحروف السبأية والحميرية والحسائية القديمة التي نقشت على الصخور ككتابات لها دلالاتها، وبعض الرموز والعناصر التي تركتها حضارة دلمون في بلاد البحرين أو في جزيرة فيلكا الكويتية خلاف الآثار اليمنية، أو ما انتشر وسط الجزيرة العربية وغربها. ويمكن أن نرى توفيقاً بين بعضها وبعض التشكيلات أو الزخارف الشعبية المحلية إضافة الى هيئة إنسانية أو حيوانية أو نباتات، هو شكل من الاستعادة التي سعى من خلالها الاستيحاء من موروث تعاقب على الجزيرة وحضارات نشرت ثقافتها مكتوبة أو محفورة على صخرة أو مبنى أو من خلال نقش على قطعة فخارية أو عملة معدنية قديمة أو الأختام. تظهر في بعض أعماله، وعلى نحو مباشر، الخيول والوعول والطيور والجمال وأدواتها، وأحياناً يحضر الإنسان في هيئة مجرد. حروف تتنوع في صياغاتها أو استعاراتها بين حالة من التعبير التي يبعثها التلوين أو أقرب الى التسجيل والتمثيل وهو يحاكي بعض الرموز والدلالات، أو التجريد وهو يختزل أو يبسط بعض عناصره، وبساطة العنصر تأتي شكلاً من محاولة الإدماج بين الفكرة وحالة التعبير التي لا تخرج عن الإحالة الى موروث يستعيده الفنان وفق حرص على الاختلاف.
وإذا علمنا أن مثل هذه الأفكار الاستلهامية محدودة في أعمال فناني المنطقة، لوجدنا بعض ذلك في أعمال البحريني الرائد راشد العريفي الذي جعل من المعطى التراثي الدلموني مادة أساسية، استلهم كثيراً من أشكالها ومعطياتها البصرية، وفق تعبيرية لونية نوّع فيها بين الرسم أو توظيف الخامة تقريباً للدلالة الأثرية.
ولد الفنان إبراهيم الفصام عام 1955 في الدرعية قرب الرياض، وهي البلدة القديمة التي ترتبط بإرث تاريخي آثاره ما زالت باقية في أطلال المنازل الشعبية، تلقى دراسته في معهد التربية الفنية في الرياض وتخرج فيه عام 1975 ليعمل بداية في مطابع الحكومة والأوراق ذات القيمة التابعة لوزارة المالية، ثم معلماً للتربية الفنية، ويتقلد في ما بعد بعض المهام كإدارة صالة الفنون التشكيلية في معهد العاصمة النموذجي (الرياض) ثم مشرف النشاط الفني في المعهد وغيرها. شارك إبراهيم الفصام في عدد من المعارض المحلية وأقام أربعة معارض خاصة بين الرياض والكويت وعرضت أعماله في عدد من الدول العربية والأجنبية.
لم تختلف بدايات ابراهيم الفنية عن أقرانه ممن تلقوا معارفهم الأولى من معلمي المادة. فرسم الطبيعة ورسم بعض مظاهر مجتمعه القريب، مثلما رسم المنازل والأطلال، لكنّ انضمامه الى معهد التربية الفنية أضاف له شيئاً من المعارف التي منحته المشاركة في معارض نظمتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب خلال فترة السبعينات.
وقد أظهرت أعماله المبكرة تنويعاً مع توجه نحو الموروث في عدد من أشكاله، لكنّ التشجيع الذي وجده في بعض المناسبات الفنية وحضوره بعض النشاطات شجعه على تحديد وجهته واستلهاماته. وهو يتحدث عن حضوره عرض لأحد الفنانين الأجانب، بحيث وجد أن مجموعة من أعماله استوحت معطى تراثياً واحداً؛ ما شجعه على تكريس المنحى التراثي الحضاري الكثير من نتاجه اللاحق. لكنه بقي كمن يبحث عن صيغة اكثر ملاءمة تحقق شخصيته الفنية واختلافه. وهذا ما نلمسه من خلال معرضه الذي أقيم أخيراً في «مركز الملك فهد الثقافي» في الرياض، وعنوانه «تجربتي في الاستلهام من آثار الجزيرة العربية»، بحيث عمل الفنان على استعادة المعطى التراثي من خلال الصياغة أو التأليف أو المعالجة والتقنية، وهو يبدي في عدد من الأعمال سمات لوحة مختلفة تحمل مدلولاتها الفنية عندما يؤلف ويناغم بين مجموعة عناصر، منها الكائنات والرموز المختزلة ووفق حالة من التدفق العاطفي التلقائي الذي يعيدنا الى بعض المنجزات الفنية العربية مع شيء من الاختلاف الذي تمنحه عناصره وعلاقاتها، أو تلويناته أو طريقة بناء لوحته.